صحوة كرة القدم الهندية
تشهد كرة القدم في الهند انطلاقة جديدة من خلال استضافتها لبطولات كأس العالم للناشئين (2017 للرجال و 2021 للسيدات) علاوة على وجود بطولات الدوري للمحترفين على المستوى المحلي وتحسين البنية الاساسية لرياضة كرة القدم بوجه عام.
وصف سيب بلاتر الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وهي الهيئة الدولية العليا المسئولة عن إدارة كرة القدم على مستوى العالم، الهند ذات مرة بـ “العملاق النائم” في رياضة كرة القدم، وقد لاقى تعليقه صدى لدى الكثيرين في البلاد، الذين شعروا أنه مع وجود ثاني أكبر عدد من السكان في العالم في الهند،فإنها غير ممثلة بصورة كافية في هذه الرياضة الأكثر شعبية في العالم. في حين أن الهند بلد محبة لرياضة الكريكيت، نجد أن كرة القدم لم تحقق نجاحًا كبيرًا في ظل الجماهير المتابعة لها. وبالرغم من ذلك ازدهرت رياضة كرة القدم في مناطق معينة من البلاد منها مدينة كولكاتا وبونيه وجوا وسرينجار وأجزاء من منطقة شمال شرق الهند. وقد يقول النقاد أن الفرق الصغيرة والمنتخب الوطني لم يحالفه الحظ على الساحة الدولية، ولكن يمكن كذلك الدفع بأن كرة القدم بدأت تدريجيا تحدث ثورة حقيقية في ظل ما حققته كرة القدم من مكاسب هائلة في الهند على مدى السنوات الخمس الماضية.
وتعد بطولات كأس العالم للفئات العمرية التي كانت تقام في الهند أحد العوامل الرئيسية وراء تنامي هذه القاعدة المتزايدة من المشجعين. كما أن مشاركة فريق الهند للناشئين تحت 17 سنة في منافسات بطولة كأس العالم للناشئين تحت 17 سنة التي استضافتها الهند لأول مرة في عام 2017 قد أضافت بشكل كبير لازدهار رياضة كرة القدم الهندية. ومنذ الانتهاء بنجاح من تنظيم هذا الحدث الكبير شهدت الرياضة في البلاد وجميع الجوانب المرتبطة بها تغييرا في الهياكل الأساسية التي تحتاج اليها تلك الرياضة في الهند. كما تستفيد الفرق الهندية للناشئين التي تشارك في مثل هذه الأحداث الرياضية الدولية من الظهور العالمي عندما تتنافس ضد أفضل الفرق في العالم،حيث واجه فريق الشباب الهندي في مباريات تحت 17 سنة منتخبات مثل: كولومبيا وغانا والولايات المتحدة. وسوف تستضيف الهند أيضا كأس العالم للسيدات تحت 17 سنة في فبراير 2021.وقد قدمت الهند ملفها لاستضافة العديد من الأحداث العالمية الأخرى الأمر الذي يضمن إتباع نهج من أعلى إلى أسفل.و يسمح هذا التوجه ببناء منهجية قوية للنظام الأساسي لكرة القدم على مستوى القاعدة الشعبية و الأطفال.

رئيس الاتحاد الهندي لكرة القدم برافول باتيل ووزير الدولة لشؤون الشباب والرياضة (بتكليف مستقل) كيرين رييجو ورئيس الاتحاد الهندي لكرة القدم النسائية ساراي بارمان ورئيس بطولات دوري الشباب في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) روبرتو جراسي أثناء إطلاق الشعار الرسمي لبطولات كأس العالم للسيدات لكرة القدم تحت 17 سنة في نيودلهي
الاحتكاك الدولي
أحد أكبر الإيجابيات التي يمكننا استخلاصها من استضافة الهند لكأس العالم للفئات العمرية هي أنه يتم تجديد البنية التحتية سواء كانت ملاعب أو مرافق تدريب قائمة أو جديدة أو زيادة الاستثمارات في الرياضة حيث يفرض الاتحاد الدولي لكرة القدم معايير صارمة التي يجب الوفاء بها من أجل استضافة هذه الأحداث. ونتيجة لذلك، فإن اللاعبين يتدربون ويلعبوا في ملاعب على مستوى عالمي. يهدف اختيار أماكن استضافة هذه الفاعليات إلى نشر الوعي بالرياضة في جميع أنحاء البلاد بالنسبة لكأس العالم للسيدات. ومن هذه الأماكن التي وقع الاختيار عليها مدينة أحمد أباد في ولاية جوجرات ومدينة بوبانيسوار في أوديشا. لكن، الأمر المختلف أيضًا هو أن الهند سوف تقوم بالفعل بتشكيل فريق تحت 17 سنة لكأس العالم للسيدات، حيث تم إجراء اختبارات في جميع أنحاء البلاد لاختيار لاعبات ناشئات، وسيتم إعدادهن وتدريبهن بعد ذلك في ملاعب ذات مستوى عالمي للتحضير للحدث.
تحقيق الحلم
يُعرف أي رياضي بطبعه من خلال استعداده للمثابرة . يجب أن يكون الرياضي شخصاً لا يستسلم. ومن الطبيعي أن يواجه اللاعب صعاباً في بعض الأحيان ثم يخرج منتصرا بالعزيمة والعمل الجاد. لقد اعتاد اللاعب سونيل شيتري خلال أيام وجوده في دلهي أن يلعب كرة القدم على مستوى فئة عمرية معينة. وفي السنوات التالية لم ينزل شيتري إلي أرض الملعب إلا في أوقات قليلا جداً في نادي موهون باجان، واعتاد الجلوس على مقاعد البدلاء. لكنه لعب مرتين حتى استطاع أن يقترب من المستوى الذي كان يقدمه أقرانه في النادي. وثابر سونيل شيتري وبدأ في الحصول على بعض الفرص في اللعب خلال سنته الثالثة لدرجة أنه حصل على فرصة انتقال إلى نادي جاجاتجيت للقطن والنسيج لكرة القدم في البنجاب. وفي أول عامين له هناك حصل على القليل من الفرص في الملعب. وحتى في نادي جاجاتجيت كافح سونيل شيتري لإثبات مهاراته ويتغلب علي فرص نزوله الملعب القليلة جداً.واعتاد سونيل أن يتدرب مع الفريق ثم يواصل تدريب عندما يغادر الجميع الملعب. وفي العام الثالث وصل أخيراً إلى مقدمة لاعبي الفريق الأول وقاد النادي للحصول علي المركز الثاني في بطولة عام 2006-2007. وظهر عناء سنوات التدريب أخيرًا عندما حصل سونيل على لقب أفضل لاعب هندي في العام برصيد 11 هدفًا (خامس هدافي الدوري) لنادي جاجاتجيت. ومن تلك اللحظة أخذ منحنى تقدم سونيل يسير في اتجاه تصاعدي. ولم ينظر إلى الوراء أبداً حتى عندما تجاوز الثلاثين من عمره ، ولم يُظهر عليه أي علامات للتراجع في المستوى.
الجبهة المحلية
نظرًا لأن مثل هذه الأحداث العالمية بدأت تشق طريقها إلى الهند فهي لا تساعد فقط في زيادة مشاركة الأشخاص وحماسهم لكرة القدم، ولكن تم أيضًا ملاحظة ارتفاع في نسبة الإقبال على النطاق المحلي،مما أدى إلى رفع مستوى ومهارة ممارسة اللعبة بشكل كبير.

درع كأس العالم لكرة القدم تحت 17 سنة في عام 2017 في الهند قبيل المباراة النهائية بين إنجلترا وإسبانيا في كولكاتا.
وعندما يتوفر في بلد ما نظام بيئي محلي يعمل بكامل طاقته فسيكون بمقدوره أن يجلب أفضل اللاعبين وأكثرهم موهبة من الساحة الدولية. لذلك، تم إعادة هيكلة الرياضة بالكامل مع بدء فاعليات الدوري الهندي الممتاز في عام 2014. كانت من أفكار الاتحاد الدولي لكرة القدم بعد ان أصبح الدوري الهندي الممتاز حدثًا ذا شعبية متزايدة في البلاد أنه يمكن أن يساعد الهند لأن تجد لها مكانة على خريطة كرة القدم الآسيوية بالإضافة إلى جذب الدوري الهندي الممتاز للاعبين دوليين ومحترفين على مستوى عال.وقد اكتسب العديد من اللاعبين الشباب والمواهب الناشئة في الهند مهارات عالية بشكل كبير، ويمكن ملاحظة التأثير الإيجابي من الأداء الرائع للفريق الهندي على المستوى الدولي في كأس آسيا التابع للاتحاد الآسيوي لكرة القدم خلال العام الماضي.

كابتن فريق الهند أمارجيت كيام والأمريكي جوش سارجنت يقفان مع الحكام قبل مباراة الفريقين في إطار منافسات كأس العالم لكرة القدم تحت 17 سنة في نيودلهي.
تدوين قصص النجاح
بالإضافة إلى ذلك ، كان هناك العديد من البرامج الحكومية التي تم إطلاقها للترويج لكرة القدم مثل مبادرة 11 مليون لاعب في عام 2017، التي عززت المشاركة في الرياضة على مستوى المدارس. وكان الهدف الرئيسي من المبادرة هو غرس شغف كرة القدم في حوالي 11 مليون طفل من أكثر من 37 مدينة و 12000 مدرسة في جميع الولايات الهندية.كما أطلقت الاتحادات الرياضية الهندية العديد من المبادرات لتعزيز الرياضة سواء كان ذلك في إطار خطة مراكز التدريب أو خطة مراكز التمييز للاعبين رفيعي المستوى.
تهدف الخطة الإستراتيجية للإتحاد الهندي لكرة القدم لعام (2019-2022) إلى أن يكون هناك 11000 لاعب على مستوى الناشئين (أقل من 12 عاماً) يلعبون في 200 بطولة “للناشئين” بحلول عام 2022. كما يخطط الاتحاد لتشكيل دوري واحد على الأقل (كل اللاعبين أقل من 13 و 15 و 18 عامًا) في كل ولاية هندية بحلول عام 2022. وسيعطي القرار حافزاً كبيراً لكرة القدم الهندية. و في ظل المسار الجديد الذي تمضي فيه كرة القدم الهندية، سوف تكون هناك حاجة أيضا إلى المزيد من أطقم فنية إدارية نظرا لخوض ما يقرب من 40 ألف مباراة في دوري الناشئين المخطط له بحلول عام 2022. ويقول الاتحاد الهندي لكرة القدم في هذا الصدد إنه سوف يتم اعتماد ما يقرب من 18570 مدرباً ( يوجد حاليا 9357 مدرب فقط) و 15000 حكم ( يوجد 5940 حكم في الوقت الحالي) من خلال فاعليات التطوير المرتبطة مباشرة بالمسابقات. وقد تم بالفعل إنشاء أكثر من 60 أكاديمية كرة قدم معتمدة في الهند اعتباراً من عام 2019، وقد بلغ ذلك الرقم 12 أكاديمية فقط في عام 2015-2016.
آفاق المستقبل
أصبحت كرة القدم الهندية أكثر تنافسية واحترافاً، حيث يعمل الدوري الهندي الممتاز كمنظومة جيدة تتمتع بامتيازات جديدة وتعديلات. كما أصبحت الشركات الكبرى تستثمر في كرة القدم، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك نادي كولكاتا لكرة القدم، الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمان. وانضم فريق شرق البنغال الأسطوري إلى الدوري الهندي الممتاز. كما يعد فرق الفئات العمرية للهند عامل ايجابي على الصعيدين الوطني والدولي. وأصبح ما تحتاجه الهند الآن هو نظام موحد مع الدوري الممتاز، الذي يعمل بالتزامن مع المستويات المحلية. إن كل ما هو مطلوب لدفع كرة القدم إلى الأمام في الهند هو نظام موحد ومعايير احترافية وبنية تحتية متطورة وبيئة مواتية لتضئ كل هذه الخطوات الطريق إلى الأمام.