نبع الابتكار
تطور العمل داخل منظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية لتصبح اليوم واحدة من أفضل مراكز الابتكار في العالم. وعلى صفحات هذا الباب الجديد من المجلة الذي يلقي الضوء على عمل المؤسسات الهندية، نٌقدم للقارئ العزيز بعض التطورات الأخيرة التي شهدها العمل في منظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية، التي استطاعت بجهوده و انجازاتها أن تضع الهند على الخريطة العالمية
عندما تم دمج أفضل المؤسسات العلمية في الهند، وهي: منظمة علوم الدفاع، ومؤسسة الدفاع للتطوير التقني ومديرية التطوير الفني والإنتاج في عام 1958، كان من الصعب تصور منحنى النمو للمنظمة الجديدة الجامعة لهذه المؤسسات وهي منظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية .وبالرغم من ذلك، وجدنا أن عدد المعامل العشرة الأولى تضاعفت على مر السنين لتشكل شبكة حالية مكونة من 50 منشأة بحثية متقدمة للغاية ومنتشرة في جميع أنحاء البلاد. كما قدمت العديد من المنظمات العلمية في البلاد، وعلى رأسها منظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية، العديد من الحلول الرائعة والمبتكرة لحل العقبات التكنولوجية التي واجهتها الهند.
عندما بدأ مشروع إنديجو لأول مرة في الستينيات بهدف تطوير صاروخ أرض-جو متوسط المدى كانت منظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية،التي تم تشكيلها حديثًا قد بدأت للتو في العمل. لكن، الإطلاق الناجح للطائرة التجريبية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في 7 سبتمبر كان ذلك دليلاً كافياً على النمو الهائل لمنظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية، التي بدأت عملها بتحقيق قفزات و انجازات كبيرة. وتضاعفت الابتكارات على مر السنين، حيث توسعت المنظمة ليس فقط لتغطي مجال الأسلحة، ولكن أيضًا مجال الإلكترونيات والأجهزة و أجهزة الحاسوب المتقدمة وتقنية الواقع الافتراضي وبناء القدرات والبحث النفسي والاستطلاع وحتى الابحاث الطبية. وساهمت هذه الابتكارات الرائدة في وضع الهند عدة مرات على قدم المساواة مع مجموعة مختارة من الدول التي ظهرت كلاعبين رئيسيين في مجال الدفاع. ومن المثير للاهتمام أن هذه الابتكارات كانت محلية تمامًا. وقامت المنظمة بتطبيق دعوة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي للاعتماد على الذات في عملها و أنشطتها مما عزز من القوة التكنولوجية للجيش والقوات البحرية والقوات الجوية الهندية على مدى أكثر من 60 عاماً.
تأمين الفضاء
بعد مرور عام تقريباً على المهمة التجريبية الناجحة لصاروخ الهند المضاد للأقمار الصناعية، نجد أن الهند لا تزال واحدة من أربع دول فقط تتمتع بهذه القدرة (الدول الثلاث الأخرى هي: الولايات المتحدة الأمريكية روسيا والصين). و إلى جانب ما تتمتع به الهند من قدرة على الاستطلاع، ساهمت قدرات الضرب الدقيقة للصاروخ المضاد للأقمار الصناعية في تعزيز استطاعة الهند على تحقيق شبكة أمان في الفضاء الخارجي في ظل القيام بهمة شاكتي وما أبرزته تلك المهمة من قدرات للهند. وسوف يلعب الصاروخ الهندي المضاد للأقمار الصناعية دوراً حاسماً في توفير الردع الضروري ضد الأقمار الصناعية المتجسسة، وكذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وقد تم بناء المراحل الأساسية للصاروخ المضاد للأقمار الصناعية بعد موافقة رئيس الوزراء مودي في عام 2016 وبذلك بدأت مهمة شاكتي في التحول إلى حقيقة مؤخرا. ويقول د/جي. ساتيش ريدي رئيس منظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية:”يشير الوقت القصير الذي تستغرقه منظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية لتحويل المفهوم إلى عمل على أرض الواقع إلى نضج التقنيات والتفاني في العمل والاستعداد التام والقدرات العالية لدى أفراد عمل منظمة أبحاث الدفاع والتطوير ومدى قدرتهم على التعامل مع التحديات التكنولوجية وتحقيقها في إطار زمني محدد.”

إطلاق الصاروخ المضاد للأقمار الصناعية خلال مهمة سلاح شاكتي في 27 مارس 2019
ما وراء الأنظار
أضافت منظمة أبحاث الدفاع والتطوير في سبتمبر 2019 سلاح أخر متقدم للغاية إلى ترسانة سلاح الجو الهندي من خلال التجربة الناجحة لصاروخ جو-جو يتجاوز المدى البصري وأطلق عليه اسم سلاح استرا. وقد تم الاستعانة بهذا الصاروخ في تسليح الطائرات المقاتلة الشهيرة في البلاد (سوخوي سو-30 إم كي أي). وعند إطلاق الصاروخ من على ارتفاع قريب أي من 8 كم ، فإن هذا الصاروخ الجو-جو (استرا) يكون قادراً على الاشتباك مع أهداف على بعد أكثر من 100 كم كما لو كان يصوب عليها بدقة من على بُعد 5 أمتار فقط! وتم استخدامه في تنفيذ أكثر من 150 هجمة جوية عن طريق الطائرات المقاتلة (سو-30 إم كي أي) بهذه الصواريخ قبل الموافقة بصورة رسمية على صلاحية استخدام صواريخ استرا على متن الطيران العسكري.
اتساع رقعة التصنيع في المنظمة
يضرب الماضي القريب مثالاً رائعاً على تعاون منظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية من خلال إرسائها لشراكات تعاونية مع شركات محلية لتقديم حلول مبتكرة لمشاكل الهند العلمية. ومن النماذج الرئيسية لهذه الشراكات متعددة المهام: الطائرات القتالية الخفيفة (تيجاس) المزودة بمحرك كافيري النفاث الحديث للغاية والمطور محلياً. فقد حقق تطوير الطائرات القتالية الخفيفة بالشراكة مع شركة هندوستان آيرونوتيكس لإنتاج معدات الفضاء والدفاع نجاحاً هائلاً، حيث تم تطوير التكنولوجيا غير المتوفرة في البلاد من نقطة الصفر وبرزت الهند كقوة رائدة في التقدم التكنولوجي على المستوى المحلي. ويتم الاستفادة من تقنية مهمة تقوم بها هذه الطائرات وهي نظام توليد الأكسجين على متن الطائرة ، والذي يضمن الإمداد المستمر بالأكسجين أثناء القيام بمهام طويلة المدة، حيث تم تقديم نفس التقنية للمستشفيات لتساعد المرضى، الذين يعانون من ضيق تنفس بسبب عدوى فيروس كوفيد-19.

قد شاركت منظمة أبحاث الدفاع والتطوير منذ تفشي فيروس كوفيد-19 بشكل فعال في شراكات لتقديم بعض أفضل الحلول المبتكرة لمكافحة انتشار فيروس كوفيد-19. فعلى سبيل المثال، تم إطلاق مسابقة ” تمسك بالحلم الموسم الثاني” والتي انطلقت في الذكرى الخامسة لوفاة رئيس الهند السابق وعالم منظمة أبحاث الدفاع والتطوير د/ أبو بكر زين العابدين عبد الكلام (27 يوليو).تدعو المسابقة كبار المبتكرين والشركات التقنية الناشئة في البلاد للمساهمة بأفكار ومفاهيم تجريبية في مجال التقنيات الناشئة، التي حددتها المنظمة لتعزيز القدرات الدفاعية.
وفقاً للسيناريو الحالي عندما تلتف الأمة بأكملها حول دعوة رئيس الوزراء لمبادرة “اتمنيربهار بهارات” للاعتماد على الذات والتأكيد على الابتكار والإنتاج المحليين، نجد أن قدرات منظمة أبحاث الدفاع والتطوير جاهزة لتحسين الأوضاع في نهاية المطاف بما تتمتع به من مهارات. لقد بزغت منظمة أبحاث الدفاع والتطوير الهندية كواحدة من المؤسسات الرائدة فيما يتعلق بدعم الدولة للاعتماد على ذاتها. فقد أعدت حكومة الهند مؤخراً قائمة تضم 108 أنظمة ضخمة، من بينها علي سبيل المثال المركبات الجوية والبرية الصغيرة والمتناهية الصغر بدون طيار وأجهزة الأشعة تحت الحمراء للرؤية الليلية للأسلحة وغيرها من المعدات التي سيتم تصنيعها في الهند. ويأتي هذا التطور بعد تحرك منظمة أبحاث الدفاع والتطوير القوي و بصورة تعكس جراءة كبيرة لتقديم 450 براءة اختراع لاستخدامها بصورة مجانية في الصناعات المحلية للعمليات التجارية في محاولة لتعزيز التطور العلمي في البلاد. ومن المؤكد أن منظمة أبحاث الدفاع والتطوير على مدى المستقبل المرتقب بموظفيها البالغ عددهم 24700 من بينهم 7300 عالما سوف تبرز لتصبح المؤسسة التكنولوجيا الرائدة الأولى في البلاد.