الموضة

منسوجات من الزمن الجميل

القضية 02, 2019

منسوجات من الزمن الجميل

بريا رنا |مؤلف

القضية 02, 2019


كانت رحلة العثور على قماش خون أو خانا النادر المنسوج على الأنوال اليدوية في الهند أشبه برحلة البحث عن الكأس المقدسة. وعادة ما يفضل النساء في شمال ولاية كارناتاكا وبعض المناطق في ماراثوادا وفيدهاربها بولاية ماهاراشترا استخدام هذا النوع من القماش الم...

كانت رحلة العثور على قماش خون أو خانا النادر المنسوج على الأنوال اليدوية في الهند أشبه برحلة البحث عن الكأس المقدسة. وعادة ما يفضل النساء في شمال ولاية كارناتاكا وبعض المناطق في ماراثوادا وفيدهاربها بولاية ماهاراشترا استخدام هذا النوع من القماش المصنوع من القطن خفيف الوزن أو حتى من غزول القطن والحرير في خياطة البلوزات التي يرتدينها على ساري إيكال الشهير في هذه المنطقة. ويتم خياطة وحدات زخرفية دقيقة على قماش خاون المطرز، والذي تعود أصوله إلى ما يقرب من 4000 عام. وبعد أن كان هذا النوع من القماش هو المفضل على الإطلاق بين نساء القرى في هذه المنطقة، فإن النول اليدوي الأصلي الذي يٌستخدم في صنع هذا القماش قد اختفى تقريبا و طالته يد الإهمال وأصبح على وشك الموت البطئ، ويرجع السبب وراء ذلك إلى إهمال هذا النوع من الأنوال على مر قرون من الزمان علاوة على الانتشار السريع للأنوال الكهربائية. استطاعت مصممة الأزياء فايشالي شادانجول المقيمة في مدينة مومباي أن تمضي في رحلة استطاعت خلال أن تنتشل هذا النوع من القماش من دروب النسيان و أن تعيد اكتشافه مرة أخرى. وعن هذه الرحلة تقول شادانجول :”لم يشاهد أي شخص في أسواق مومباي أو بونيه هذا النوع من القماش الذي يتميز بأشكال التطريز الدقيقة التي تشبه قماش باناراسي إلى حد كبير.” وبعد رحلة من البحث والاستقصاء، وصلت شادانجول في عام 2012 إلى قرية جوليدجودا الصغيرة الموجودة في منطقة باجالكوت بولاية كارناتاكا والتي تُعد الموطن الأصلي لصناعة قماش خون.

كان قرية جوليدجودا في يوم من الأيام مركزاً مزدهراً لصناعة النسيج اليدوي، حيث كان لكل أسرة نولها الخاص بها وكل فرد من أفراد الأسرة يشارك في نسج القماش. وعلى الرغم من عدم وجود دليل تاريخي محدد على أصل نسج هذا النوع من القماش، تقول الحكايات الشعبية إن هذا النوع من القماش بدأ نسجه في القرن الثامن أثناء حكم أسرة تشالوكيا في هذه المنطقة. ويقال إن النساجين في هذه القرية بدأوا نسج هذا النوع من القماش ليتم ارتدائه خصيصاً على الساري الهندي المعروف باسم إيكال. وثمة قول آخر إنه يتم طي هذا النوع من القماش في شكل مثلثات خلال المهرجانات الدينية ليتم وضعه مع ساري وتقديمه قرباناً للإلهة. ويقول البعض إنه طريقة طي هذا النوع من القماش كانت في شكل مربعات وليث مثلثات ومن هنا جاء اسم المقاس “خانا أو خون”. ونجد أن الوحدات الزخرفية الموجودة في هذا القماش مستوحاة من الطبيعة والأساطير المختلفة.

لقطة عن قرب للنول اليدوي

ولسوء الحظ أن معظم هذه الموروثات القديمة- ومن بينها قماش خون- بدأت تتوارى في عالمنا اليوم. ونجد كذلك أن معظم التصميمات التقليدية قد تلاشت تقريباً مع اختفاء جيل من النساجين الأصليين المتمرسين في هذه المهنة، في الوقت الذي تحول عدد قليل من المتبقي منهم إلى الأنوال الكهربائية. وتقول شادانجول: “عندما زرت القرية لأول مرة منذ حوالي خمس سنوات، وجدت حوالي 500 نول من الأنوال اليدوية، وبعد أن كانت 4000 نول منذ بضعة عقود مما يعكس انخفاضاً حاداً في عدد هذه الأنوال.”

وتضيف شادانجول قائلة: “كنت في نيويورك، وعدت إلى الهند قادمة من الولايات المتحدة بعد فترة طويلة من الزمن، وأدركت أن هذا النوع من القماش يعاني من الإهمال. وكان الجميع يتحدثون عن أقمشة تشانديري، وباناراسي،وماهيشواري، و لم يكن أحد يعرف شيئاً عن قماش خون.” ومن ثم، حملت شادانجول على عاتقها مسئولية إحياء هذا النوع من القماش، وذهبت إلى قرية جوليدجودا ولكنها انزعجت كثيرا عندما وجدت أن نول يدوي واحد فقط في حالة صالحة للعمل هو الذي لا يزال يٌستخدم في صنع هذا النوع من القماش المنسوج.

ومن هنا بدأت شادانجول في العمل على إحياء هذا النوع من النسيج، حيث تبنت الخمسين نولاً التي كانت لا تزال منخرطة في هذا النشاط وجلست مع النساجين لوضع خطة لإعادة هذا النوع من القماش للحياة مرة أخرى والترويج له ليستعيد شعبيته بين جمهور مناطق الحضر على المستوى العالمي. وتقول شادانجول: “إن قماش خون هو عبارة عن نسيج مطرز بصورة دقيقة وهو خفيف الوزن بدرجة كبيرة.” وأضافت قائلة إنها أرادت تقديم قماش خون في صورته الأصلية، إلا أنها استخدمت ألوان عصرية حديثة يستعملها النساجون في النسج بالأنوال اليدوية. وتوضح شادانجول: “إذا ذهبت إلى أي قرية ، بدأ الناس في تحديث أنفسهم، وهم لا يتبعون نمطاً محدداً في العمل، و يجمعهم ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة من حولهم، الأمر الذي ينعكس في عملهم فنجد أغلب الألوان مستمدة من المناطق الخضراء والظلال وألوان النبيذ والخردل و اللون الأخضر المشع.”

عارضة أزياء أثناء مشاركتها في عرض مجموعة من أعمال مصممة الأزياء فايشالي تحمل اسم “بيسرا” خلال أسبوع الموضة في الهند لوتس ميكاب

وتوضح شادانجول عملية النسيج الشاقة لهذا النوع من القماش فتقول: “عندما تقوم بتغيير لون حتى قطعة واحدة من هذا القماش، يجب على عامل النسيج أن يقوم بربط 4000 خيط على النول، الأمر الذي يستغرق يوماً كاملاً. وعلى الرغم من هذا الوقت الطويل المستغرق في انجاز العمل، نجد أن العائد متدني، حيث لا يحصل النساج سوى على 400 روبية في اليوم!”

ويٌعد راجو، البالغ من العمر 40 عاماً والذي كان يعمل في مجال نسج قماش خون منذ 15 سنة، هو النساج الرئيسي الذي تعتمد عليه مصممة الأزياء شادانجول في عملها. ويقول راجو إنه في أوقات ازدهارا سوق هذا النوع من القماش، كان هناك خمسة آلاف عاملاً في القرية منخرطون في نشاط النسيج. ويضيف راجو:”كانوا يعملون في الصباغة والنسيج وكذلك في الوحدات الخاصة بالمواد الخام و وصل الأقمشة في توب كبير، أما اليوم فتقوم عائلات قليلة بالانخراط في هذه الحرفة من منطلق عشق المهنة وليس من أجل المقابل المادي!” و توضح مصممة الأزياء شادانجول، التي أبدعت تصميمات في السابق باستخدام أقمشة تشانديري وبيثاني: “إن قماش خون من الأقمشة الرائعة ذات الطابع الفني الرفيع، والذي يصعب إنتاجه في أي مكان آخر سوى هذه القرية. إن هذا النشاط هو تقليد عريق، وليس مجرد حرفة عادية. ويظهر تأثير المناخ و الوحدات الزخرفية و الحياة اليومية و البيئة المحيطة في القرية واضحاً في عملية نسج قماش خون.”

صاحب متجر يعرض أنواعاً من الساري المصنوعة من قماش خون في متجره في قرية جوليدجودا

وقامت شادانجول خلال عامي 2012 و 2014 بعرض مجموعتين من الأزياء المستخدم فيهم قماش خون في عروض أزياء أقيمت في الهند. ووجدت شادانجول أن هناك رد فعل إيجابي للغاية على هذه المنتجات مما شجعها على تصميم مجموعة أخرى من الملابس العصرية من نفس القماش وتم عرضها في عام 2018 خلال أسبوع الموضة في الهند في دلهي، وهو تجمع الأزياء والموضة الأكثر شهرة على مستوى الهند. وتقول شادانجول عن تلك التجربة: “إن فكرتي في إحياء هذا النوع من القماش تقوم على الحفاظ على الروح التقليدية لهذا النسيج وصياغته في تصميمات عصرية تناسب الجمهور. يحب الناس الملمس المريح للقماش على بشرتهم وكذلك لمعان القماش من الخارج.” وفي أحدث مجموعة من الأزياء أبدعتها شادانجول، توسعت بشكل كبير في استخدام الألوان التقليدية حيث مزجت بين درجات ألوان البرتقال الأصلي، والأخضر والوردي مع البرونز والذهبي والرمادي. وقامت شادانجول بعرض مجموعة من الأزياء من 40 قطعة مستخدم في إبداعهما قماش خون خلال فاعلية في نيويورك في يونيو من هذا العام وقامت مرة ​​أخرى في أسبوع نيويورك للموضة الشهير على المستوى العالمي بعرض مجموعة من 45 قطعة ضمت فساتين وسترات. وتخطط شادانجول كذلك لإقامة أول عرض لها على الإطلاق لأزياء العروس الهندية وذلك في يوليو في الهند باستخدام إبداعات من هذا القماش الرائع. وتشير شادانجول قائلة: “إنني أحاول فقط أن أخذ ما يصنعه النساجون و أؤكد لهم دوماً بأنني سأدفع لهم مبلغاً محدداً كل شهر. لقد قمت بتحسين جودة النسيج وفكرت في تصميمات عصرية جديدة، ولكن هدفي الأول هو جعل أبناء القرية المنخرطين في هذا العمل يشعرون بأن هذا النشاط هو نشاط مربح بالنسبة لهم. ”

التحدي الآخر الذي صادفته شادانجول في رحلتها لإحياء قماش خون هو أن عدد الأنوال التقليدية المستخدمة في هذا النوع من القماش صغيرة لتناسب فقط صناعة قطع القماش المستخدمة في عمل البلوزات. ومن ثم، تعمل شادانجول حاليا على إنشاء وحدة تضم مجموعة من النساجين من قرية جولجوددا و صناعة أنوال أكبر لإنتاج أتواب القماش الطويلة لتكون مناسبة بصورة كبيرة من الجانبين التجاري والإبداعي. وتخطط شادانجول كذلك لتنويع استخدام قماش خون ليدخل في أقمشة المفروشات والديكورات المنزلية بالإضافة إلى استخدامها في صناعة الملابس.

تقول شادانجول إن ما تقوم به هو مساهمة بسيطة جداً، وأنه يجب أن يتم زيادة وعي الكثير من الناس بمدى روعة وجمال هذا القماش الساحر. وتقول شادانجول: “إننا بحاجة إلى أن نظهر الاحترام اللائق للعمل الشاق الذي يقوم به النساجون، الذين يجلسون لساعات طويلة أمام أنوالهم اليدوية لنسج ساري واحد، والذي قد يستغرق العمل أربعة أشهر للانتهاء منه. إن ما يقوم به هؤلاء النساجون هو عمل فني وليس مجرد نسج لقطعة من القماش. وبمجرد أن يشعر عامل النسيج أن ما يقوم به من عمل يدر المال الكافي لأسرته ويشعره بقدر من الاحترام والتقدير، فإن عشق مواصلة هذا التقليد سينتقل عبر الأجيال المتعاقبة. ويلخص راجو هذا الأمور قائلا: “يبدو أن الجهود التي تقوم بها شادانجول قد أعطت بصيصاً من الأمل للنساجين من أبناء قرية جولجوددا. لقد بدأت أحب العمل على النول اليدوي مرة أخرى. وعندما أرى الملابس الجميلة المصنوعة من القماش الذي أقوم بنسجه معروضة في جميع أنحاء العالم، أشعر بفخر كبير. إن هذا الأمر يحفزني على المساهمة في إنقاذ هذه الحرفة التقليدية والحفاظ على الأنوال المتبقية المنخرطة في العمل. كما أنني سأحرص على تعليم أولادي هذه الحرفة.

بريا رنا

تعتبر بريا رانا من أشهر الأسماء في صناعة الأزياء ، وهي كاتبة رائدة في مجال الأزياء وقادت المنشورات الرئيسية في الهند. تعمل رنا كمحرر تنفيذي في Outlook Splurge. عملت أيضًا كمحررة لـ India Deluxe Life ومحررة تنفيذية في Harper's Bazaar. عملت أيضًا كمحرر إداري في مطبعة جامعة أكسفورد.
error: Content is protected !!