فن الآلهة
يُعتقد بأن فن الباتاتشيترا، أحد أقدم أنماط الرسم في الهند، قد بدأ مع إنشاء معبد جاغاناث في منطقة بوري بولاية اوديشا، وهنا يحاول كل من شراباستي انينديتا ماليك وبهاغياسري ساهو استكشاف تشابكات هذا النمط من الفن التقليدي الذي ترجع جذوره إلى قرية راغوراجبور في منطقة بوري.
يتميز طراز الهند الفني بالثراء والتنوع حيث تذخر كل منطقة من مناطق البلاد، تقريبًا، بنمط خاص ومتفرد من أنماط التعبير الإبداعي، بدءًا من لوحة مادهوباني في ولاية بيهار وفن وارلي الحربي الذي تشتهر به ولاية ماهاراشترا وصولًا إلى لوحة المنمنات في ولاية راجاستان، إلا أن نمط باتاتشيترا الفني في ولاية اوديشا يُعد أحد أقدم هذه الأنماط الفنية وأكثرها أصالة وحيوية، وهو النمط الفني الذي ذكره رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في إحدى خطاباته الأخيرة للأمة عبر أثير الإذاعة من خلال برنامج “مان كي بات”.
ترجع جذور فن الباتاتشيترا إلى قرية راغوراجبور الصغيرة في منطقة بوري بولاية اوديشا، بل أن هذه القرية تُعد أحد المعاقل الفنية القليلة في البلاد التي تتميز بانخراط جميع سكانها في هذه الحرفة الفنية اليدوية التقليدية، مما يجعل كل بيت من بيوت هذه القرية، تقريبًا، بمثابة ستوديو فني، ويتميز فن الباتاتشيترا بنقاوة الوصف والتجسيد والاهتمام بالتفاصيل والألوان الزاهية وتراثه الذي يمتد عمره إلى قرن من الزمان. تقول الأسطورة أن تقليد فن الباتاتشيترا قد بدأ مع إنشاء معبد جاغاناث المقدس في منطقة بوري، ولهذا يُعد أحد أكثر المواضيع تكرارًا في لوحات فن الباتاتشيترا تصوير معبد جاغاناث أو ثيا باديا، حيث أنه ولطالما كانت حلقات الأساطير والملاحم الهندوسية زاهية الألوان أكثر المواضيع المهيمنة على هذا النمط الفني.

تعتبر عملية ابتكار هذا الفن الأصلي، الذي اشتق نصف اسمه الأول من الكلمة السنسكريتية “باتا”، وتعني الملابس أو الأقمشة، والنصف الثاني من كلمة “تشيترا”، وتعني الرسم، عملية كثيفة العمالة تتطلب تركيزًا قويًا من الشيتراكارات (الشيتراكار هو الاسم الذي يطلق على فنان الباتاتشيترا)، وتبدأ تلك العملية بصنع الباتا من خلال سحق بذور التمر الهندي المنقوعة في الماء وخلطها بالماء ثم غليها في وعاء فخاري وذلك يتحول الخليط إلى قوام يشبه العجينة، وبعد ذلك يقوم الشيتراكارات باستخدام هذا المعجون في ربط قطعتين من القماش القطني ببعضهما البعض وتغطيتهما بمسحوق الطين عدة مرات يصبح القوام صلبًا، ثم يُعطى هذا القماش المُعالج وجهًا لامعًا نهائيًا كي يصبح ناعم وجاهز للرسم عليه.يولي الشيتراكارات اهتمامًا كبيرًا بالحفاظ على الولاء للجذور ولهذا السبب يحاولون استخدام الألوان المشتقة من المصادر الطبيعية، حيث يحصلون على الصبغة البيضاء من مسحوق صدفة المحارة ويحصلون على اللون الأسود من سواد دخان مصباح الضياء “ديا” (وهو مصباح ترابي)، كما يُستخرج اللون الأحمر إما من الهينجولا (وهو أحد المعادن) أو من الجيرو (وهو التراب الأرضي) واللون الأصفر من الهارتال (وهو أحد أنواع الأحجار)، بل أنه حتى الفرش المستخدمة في الرسم يصنعها الحرفيون بأنفسهم.

تُعد الهيئات البشرية البارزة من السمات المميزة لفن الباتاتشيرا شأنه شأن أي نمط آخر من أنماط الرسم، وحسب ما جاء في مقال بعنوان (فن الباتاتشيرا، ماضيه وحاضره)، وهو المقال الذي نشرته حكومة ولاية اوديشا، “تُرسم الهيئات والأشكال البشريةـ بوجه عام، من مقدماتها في هذا الفن، وحتى مع إظهار الوجوه والأرجل من منظور جانبي إلا أن العيون الممدودة تُرسم من الأمام، مع استخدام صور نموذجية لتصفيفات الشعر والملابس والزينة والحلي واللحى والشوارب لعدد من الشخصيات المختلفة …” وتُعد الأنماط والأشكال المزخرفة والمنمقة التي ترسم بطول حدود قطعة الباتا أحد المميزات الأخرى الإضافية التي تشتهر بها هذه الحرفة الفنية.

وقد قطع فن الباتاتشيرا شوطًا طويلًا منذ أن كان نمطًا فنيًا تقليديًا يُرسم على القماش المُعالج وحتى اصبح، في يومنا هذا، نمطًا فنيًا يُطبق على بعض الأغراض الزخرفية مثل الزجاجات والغلايات والأحجار والمصابيح الكهربائية، فضلًا عن أقمشة التوسار الحريرية.لقد صمد فن الباتاتشيرا، بالمعنى الحقيقي للكلمة، أمام اختبار الزمن، ولازالت قرية راغوراجبور تحافظ على دورها باعتبارها ناشرة لهذا الفن وليس راعية وحاضنة له فحسب، ويعمل التوجه الجديد لدى مجتمع الفن الهندي بالاهتمام بالأعمال الفنية المحلية على تشجيع فناني باتاتشيترا على توسيع خبراتهم وعلى تلبية احتياجات الأسواق المحلية والدولية من فنونهم، وهو المنحى الذي يعزز، بدوره، مهام رئيس الوزراء، مودي، مثل مهام “فوكال فور لوكال Vocal for Local”، التي تهدف إلى الانحياز للعنصر المحلي، ومهمة “آتمانيربار بهارات” التي تعني “الاعتماد على الذات في الهند”.