الحفاظ على الحياة البرية
استفادت حماية الحياة البرية والحفاظ عليها في الهند بشكل كبير من التقدم التكنولوجي الذي تشهده البلاد. ويشرح لنا فيما يلي عالم الحفاظ على البيئة نيرمال أولهاس كولكارني كيف تضمن الابتكارات العلمية تتبع الأنواع المختلفة من الحيوانات في الحياة البرية وتساعد في مكافحة عملية الصيد الجائرة التي تتم على يد الصيادين.
قطعت مجالات علوم البيئة والتنوع البيولوجي شوطاً طويلاً في الهند خلال العقود القليلة الماضية. لقد تحولت هذه المجالات من مجرد عمليات المراقبة والملاحظة والتدريبات في للحيوانات في بيئتها إلى مزج العديد من الموضوعات المختلفة في القيام بهذه المهام البيئية. لقد حقق مجال الحفاظ على علوم البيئة مكاسب هائلة من التطورات العلمية الكبرى، بدءاً من الأدوات الوراثية الجزيئية إلى تكنولوجيا الفضاء. وتساعد المعلومات، التي تم الحصول عليها من هذه التقنيات المتطورة، في عمليات التخطيط للحفاظ على البيئة.

كانت إحدى الحالات الأولى للتدخل التكنولوجي في مهام الحفاظ على الحياة البرية الهندية في أواخر التسعينيات في محمية ناجارهول للحفاظ على النمور في كارناتاكا، حيث كان يتم مراقبة النمور التي تعرف باسم القطط الكبيرة تحت إشراف عالم الحيوان وعالم الأحياء الشهير د/يولهاس كارانث. كانت هذه هي المرة الأولى في الهند، التي يتم فيها أخذ عينات من الحيوانات البرية بطريقة منهجية وشاقة مع اتباع نظام محدد. منذ ذلك الحين ، يتم نشر مصائد الكاميرا باستمرار لمجموعة من أغراض مراقبة الحياة البرية في الدراسات السلوكية والبيئية.
لقد أصبحت مصائد كاميرات استشعار الحرارة والحركة المتقدمة اليوم قادرة على تسجيل الصور ومقاطع الفيديو في الإضاءة المنخفضة بالإضافة إلى الحفاظ على طاقة البطارية أدوات ضرورية لمديري الحياة البرية وكذلك علماء الحفظ على البيئة في جميع أنحاء البلاد. وتساهم مصائد الكاميرات في التقاط البيانات، التي تُستخدم لتقدير حجم الأعداد، والأنواع المختلفة، والأعداد الموجودة في الأماكن والمواقع المختلفة علاوة على مؤشرات الوفرة النسبية وغيرها من البيانات المرتبطة بدراسات أخرى متعلقة بالبيئة. ويخضع كل موطن للحياة البرية تقريباً في الهند إلى شكل من أشكال المتابعة بمصائد الكاميرات.

يعد استخدام أطواق التتبع في الوقت الحالي أحد أكثر الطرق شيوعاً لرصد الحيوانات الثديية الضخمة في الهند. وتتضمن عملية التتبع اللاسلكي تركيب طوق لاسلكي للحيوان أو جهاز لاسلكي يرسل إشارات. ومعظم دراسات القياس الراديوي مبنية على وحدات قائمة تعمل على فهم سلوك الحيوان. وكان أحد المشاريع الأولى، التي استخدمت القياس اللاسلكي عن بٌعد، تلك الخاصة بثعبان ملك الكوبرا في مستوطنة أجومبي في كارناتاكا وكانت تحت إشراف عالم الزواحف البارز رومولوس ويتاكر من مركز أبحاث غابات أجومبي المطيرة.
ويتم حالياً تنفيذ مشروع لوقف نفوق الأفيال بسبب حوادث التصادم مع القطارات في شمال غرب البنغال. ويعد هذا المشروع ثمرة تعاون بين إدارة غابات غرب البنغال ، ومعهد الحياة البرية في الهند، ومنظمة الأدوات العلمية المركزية ، ومؤسسة إير تو ذا وايلد. يتضمن المشروع تطوير أجهزة استشعار تهدف إلى اكتشاف حركة الأفيال على مسارات السكك الحديدية بحيث يمكن تنبيه القطارات السريعة لإبطاء السرعة وتجنب الموت غير الضروري للفيلة الآسيوية. يحتاج تحديد موقع الأنواع المختلفة من الحيوانات وسلوكها إلى رسم خرائط وتحليل تركيبة الأعداد ومعرفة أنماط حياة هذه الحيوانات والعمليات الجغرافية والفيزيوغرافية. وتوفر مراقبة هذه البيانات ورسم خرائطها رؤى حول كثافة أعداد الحيوانات والتوزيع والانتقال من مكان لآخر. وبذلك، أصبحت البيئة المكانية ونظام المعلومات الجغرافية أو الاستشعار عن بعد من الأدوات الحيوية في رسم خرائط التغيير في مجالات الحفاظ على البيئة وعلوم الأحياء البيئية.
ساهمت البيئة الجزيئية وعلم الوراثة بشكل كبير في كشف الأنماط وفهم العمليات الخاصة بتاريخ أنواع الحيوانات والتوزيعات الجغرافية لها. ونظراً للتعاون القوي والعميق بين التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات، أصبح لدى وكالات مكافحة جرائم الحياة البرية في الهند الآن قاعدة قوية لتحديد واعتقال الصيادين وعصابات جرائم الحياة البرية. كما أصبحت اسهامات التكنولوجية الحديثة القائمة على العلم أكثر بساطة ودقة مع إدخال اختبارات الحمض النووي. وكانت المساهمات في هذا الصدد من مركز العلوم البيولوجيا الخلوية والجزيئية ومعهد الحياة البرية في الهند، اللذين قاما بتطوير إجراء هو الأول من نوعه لتحديد فصيلة الحيوان من الأجزاء المصادرة.

دشنت الهيئة الوطنية لحماية النمور التابعة للحكومة الهندية في عام 2010 نظام خاص لمراقبة النمور: الحماية المكثفة والحالة البيئية وذلك لتطبيقه في كافة محميات النمور الهندية.ويتمثل الهدف الأساسي من هذا النظام البرمجي المتطور في تعزيز الدوريات والمراقبة للحيوان الوطني في الهند وهو النمر البنغالي. ويوفر النظام معلومات في الوقت الفعلي لمديري الحياة البرية لتعزيز الحماية وضمان الحفظ على هذا النوع من الحيوانات على المدى الطويل.
قدم إدخال الدراسات الجزيئية، التي تتضمن تسلسل الحمض النووي المستند إلى تحليل بي.سي.آر.، في الهند منصة لإيجاد طريقة لأخذ العينات، وتحديد هوية فصائل الحيوانات والحفاظ عليها مما يسهل جهود الحفاظ على البيئة وحيوانات الحياة البرية. ويساعد توافر الدراسات الجزيئية المستندة إلى الـ بي.سي.آر. وسيلة لتحليل العينات التالفة والمتدهورة، بما في ذلك بقايا الحيوانات،الأمر الذي يساعد في ربط حياة فصائل الحيوانات في الماضي والحاضر. وتساهم هذه البيانات في تحديد أولويات جهود الحفاظ على الأنواع المدرجة في قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض.
أثبتت مجموعة الأساليب والأدوات المستخدمة اليوم في الغابات الهندية لحماية الحيوانات البرية أن مجال الحفظ والبيئة يتقدم مع ظهور التكنولوجيا.وقد تم بالفعل وضع نظام متكامل على مدى السنوات القليلة الماضية في البلاد. ولعل هذه الإجراءات الجديدة، التي توازيها تغييرات إيجابية في سياسة البيئة تدعمها الحكومة، تساعد في تشكيل استراتيجيات للحفاظ على البيئة والحيوانات في الحياة البرية في الهند على مدى الألفية الجديدة.