سحر النول
إليكم بعض أشهر الأقمشة المنسوجة يدويًا في الهند والتي تعكس مدى رُقي الذوق الحرفي النادر في صناعة وغزل أقمشة فريدة وفاخرة. ومن بين هذه الأقمشة؛ قماش “الإيكات” التقليدي القديم وقماش “البتولا” الملكي، وقماش “الجمداني” وحرير الديباج والباناراسي وقماش الجيزر المزخرف، والباشمينا الكشميري.
يُعد الغزل باستخدام النول اليدوي من أشهر الأعمال الحرفية الشهيرة في الهند، وكان استخدام النول من التقاليد الهندية التي شهدتها البلاد منذ آلاف السنين. والهند هي واحدة من البلدان القليلة التي ما زالت تعتمد على الغزل اليدوي باستخدام النول. وقد تحدث رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في خطابه الأخير إلى الشعب، عن اليوم الوطني للنول اليدوي (الذي يُحتفل به في 7 أغسطس من كل عام) وشجع المواطنين على دعم منتجات الحرفيين الذين يستخدمون النول اليدوي، والذي من شأنه أن يعزز من رؤية “شجع المنتج المحلي” التي تتبناها الحكومة. كان لاستخدام النول اليدوي فضلًا كبيرًا في حركتنا الداعمة للاستقلال، عندما شجع المهاتما غاندي الهنود على الغزل في المنازل باستخدام (عجلة الغزل) إلى جانب مجموعات النساجين المنتشرين في جميع أنحاء الهند الذين يغزلون وينسجون القماش التقليدي وعلى رأسهم قماش خادي وقماش الإيكات أو البنداني أو البتولا أو حرير الديباج الباناراسي أو الزاري أو أبتاني أو الباشمينة. كل هذه أنواع من القماش المنسوج على النول اليدوي الذي تداولته أيادي شعبنا العظيم. كانت أقمشة النول اليدوي مثل قماش “خادي” منتشرة في كل مكان حتى ظهور النول الميكانيكي في الغرب في القرن الثامن عشر، والذي أدى إلى ملئ أسواقنا بالقماش المصنوع آليًا، وأدى إلى تدهور صناعتنا. ولكن بفضل المبادرات الحكومية مثل اليوم العالمي للنول اليدوي والعديد من المبادرات الأخرى، أصبحنا ندرك الآن أهمية الأنواع المختلفة من الأنوال اليدوية الموجودة في الهند، حيث يُشيد المصممون والعملاء بالأعمال الحرفية التي صُمم منها كل زي، أو ساري، أو قطعة قماش يقومون بشراؤها.
قماش خادي
يحتاج قماش “خادي”، أبسط رموز النضال من أجل الحرية في الهند، إلى الحصول على شهادة من هيئة صناعات قرية خادي (CIVK)، حتى يحمل هذا الاسم – ويجب أن تكون قطعة القماش مغزولة ومنسوجة يدويًا. يُنسج هذا النوع من القماش في الغالب في المؤسسات المعترف بها والمدعومة لدى “هيئة صناعات قرية خادي” حيث توفر الحكومة فرص العمل للنساجين الريفيين. وتنتشر هذه المؤسسات في جميع أنحاء الهند، وفي البنغال، وفي أوتار براديش، وماديا براديش – ويمكن شراء القماش من منافذ “هيئة صناعات قرية خادي” الموجودة في جميع أنحاء الهند. وحاليًا، يقوم المصممون باستخدام قماش خادي في ابتكار ملابس أنيقة ومن بين هؤلاء المصممين، مصمم الأزياء الشهير راجيش براتاب سينغ، الذي ابتكر ملابس من قماش خادي لأكثر من عقد من الزمان، ومن بين دور الأزياء التي صمم لها ملابس باستخدام هذا النوع من القماش هي دار “alivanA” التي تعرض ملابس مصنوعة من قماش خادي المنسوج في البنغال، والمصبوغ بالأصباغ الطبيعية مثل الكركم والنيلة الزرقاء وغيرها من الألوان زاهية، إلى جانب تزيينه بالجواهر.
الإيكات
قماش “الإيكات” هو نسيج قديم يشوبه الغموض، حيث وُجدت قطعة من قماش إيكات أوديشا في مقبرة إحدى المومياوات المصرية، وهذا دليلًا على وجود تواصل تجاري بين الحضارتين المصرية والهندية. ووجدت رموزًا تشير إلى قماش الإيكات في جداريات كهوف أجانتا التي يعود تاريخها إلى 002عام قبل الميلاد. ويعتبر قماش الإيكات مميزًا عن الأقمشة الأخرى المصبوغة، لأنه صُبغ أولاً قبل غزله (عن طريق مزج حزم من الخيوط معًا بإحكام، ثم صبغها بالنمط الذي المطلوب) ، ثم توضع خيوط الغزل على النول لتُغزل بالنمط المطلوب في عملية شاقة ومعقدة للغاية. ويوجد قماش إيكات بنمط مموج ولُحْمَة الإيكات وإيكات مزدوجة، وهي أنماط معقدة للغاية، يتم تصنيعها في أوديشا وجوجارات وأندرا براديش. قام المصممون المخضرمون مثل مادهو جاين بابتكار تصميمات مميزة تستحق أن تُوضع في متحف فني، من حرير الخيزران بنمط الإيكات المنسوج في إندونيسيا وأوزبكستان والهند. وكانت جاين صريحة في دعمها للأقمشة والحياة المستدامة، وهذا النسيج الجديد لا يأكل موارد الأرض، ويمكن أن يوفر سبل العيش لمزارعي الخيزران، هذا إلى جانب خصائصه القابلة للتحلل.
وقد استوحي قماش الإيكات من بابور في أوزبكستان، حيث كان الإيكات نسيجًا ملكيًا – وكان هناك حرفيون بارزون مثل آصف شيخ (مؤسس مؤسسة SDC للفنون) مبهورين بأنماطه المتنوعة والجريئة (لأن قماش الإيكات الهندي به عدد محدود من الزخارف)، ونجح آصف شيخ بتصميم نمط من الإيكات بزخارف مصغرة مطرزة يدويًا على القماش.

يأتي قماش “باتولا” أحد أغنى أنواع نسيج الإيكات في الهند – التي كان يرتديها أفراد العائلة المالكة والأرستقراطيين – من ولاية غوجارات. ويشتهر بألوانه الزاهية وتصميماته الهندسية التي يتخللها زخارف شعبية، ويقال إن ساري باتولا يبقى دون تلف لمدة 003 عام ويظل محتفظًا بلونه الأصلي. أما قماش “بان باتولا” هو نسيج إيكات مزدوج يأتي من منطقة غوجارات الشمالية في باتان، ويُعد إرثًا لا يقدر بثمن ينتقل من جيل إلى آخر. ويُنسج من خلال محاذاة كل قطعة من الخيوط الملونة (المصبوغة) بعناية لتشكيل النمط المطلوب أثناء عملية النسج، ويتم صبغ النمط المموج واللُّحْمة أثناء صنع هذا النوع من قماش “باتولا”. وتستخدم الصبغات الطبيعية في تلوين الخيوط مثل جذور الفُوّة والنيلة الزرقاء والكركم، وتبدو الأنماط متطابقة على كلا الجانبين. ومؤخرًا، ابتكرت علامة الأزياء “أشا جوتام”، التي تتخذ من دلهي مقراً لها، تصميم “ساري باتولا” الرائع للممثلة “أورفاشي راوتيلا”، واستغرق ستة أشهر لاكتمال تصميمه – وأكثر من 07 يومًا لتلوين الخيوط، و52 يومًا لإنهاء عملية النسيج، و006 جرام من الحرير.
بروكيد باناراسي
تشتهر منطقة بيلكوثي في فاراناسي بنسيج “الديباج” الذي يُصمم منه “ساري باناراسي” المشهور عالميًا، والذي يتميز بزخارف معقدة من الزاري المنسوج يدويًا على قماش حريري، لتصميم أرقى أنواع الساري التي عادةً ما ترتديه العروس في يوم زفافها. ويشتهر “سواتي و سونينا” وهما مصممان أزياء مقيمان في كولكاتا والناشطان في مجال المنسوجات، بابتكار ساري منسوج بدقة بجانب من الحرير، والجانب الآخر من الزاري الخالص، ويزدان بحافة صغيرة من الديباج. ويستغرق تصميم كل ساري ثمانية أشهر تقريبًا حتى يتم الانتهاء من نسجه، ويبلغ تكلفته 0002 ألف روبية هندية تقريبًا. ويجلب التجار نسيج “جياسير” المزخرف (الذي يُصنع منه الأثواب الثقيلة للرهبان البوذيين في أديرة التبت ولاسا) إلى فاراناسي من الصين. ويمكن رؤية هذا التأثير الشرقي أيضًا في ساري باناراسي الحالي. ومن دور المنسوجات المتخصصة في نسيج باناراسي هي دار “شانتي باناراس” التي تقع في مدينة فاراناسي، وهي دار منسوجات من الجيل الثالث، ويترأسها عمريت وبريانكا شاه. وقد استخدموا في مجموعاتهم الحديثة، نسيجًا فارسية لابتكار زخارف الطيور – ومن غير المعتاد في ساري باناراسي استخدام نسيج الزاري العتيق. ويقول عمريت شاه: “لغزل النسيج باستخدام النول، يضع الغازِل على النول نمط الجاكار في الغالب (وهو نمط منسوج بنسبة معينة أسفل وأعلى الخيوط).” وفي حالة عدم وجود الجاكار، يأخذ الغازل شكلاً ويغزل عليه النسيج مثل الرسم – وهي تقنية تُعرف باسم “أوشانت”، التي يُحاك فيها كل شكل على حدة.” ويتم نسج بعض أجزاء الساري الهندي الأكثر تعقيدًا بنسيج “جمداني” (وهي تقنية تستخدم خيوط خفيفة أو خيوط زاري لنسج الزخارف بشكل منفصل على الحرير). ويمكن استخدام نوع نسيج آخر وهو نسيج جانجلا جال، وهو نمط ديباج باناراسي مصنوع من الكروم الرقيق المنسوج بنسيج زاري من الحرير الخالص. ويحتاج مثل هذا النسيج من أربعة إلى ثمانية نساجين تقريبًا، ويمكن أن يستغرق من شهرين إلى أربعة أشهر ليكون جاهزًا.

نسيج أباتاني
ينتشر هذا النسيج في كل بيت من مجتمع أباتاني في ولاية أروناجل برديش (وأجزاء من ولاية ناجالاند) حتى اليوم، على الرغم من أن عدد العائلات التي تغزل هذا النسيج يقل بالتدريج. ويتميز هذا النوع من النسيج بأنماطه الهندسية الملونة والمتعرجة، والتي تستخدم عادةً الألوان الأسود والأحمر والأبيض والأصفر، ويُستخدم في تزيينه الأنماط البسيطة لصُنع أوشحة جميلة وأقمشة أخرى مُزينة بخطوط من الخيزران. ومع عزوف العديد من الشباب عن استخدام النول اليدوي، لكن حان الوقت اليوم لاستعادة اهتمامهم بهذه الحرفة من خلال إنشاء سوق لهذه المنسوجات الرائعة وصُنع منتجات على شكل أوشحة ، وأغطية، وسترات.
نسيج الباشمينا
بعد ذلك، نسافر إلى بيئة كشمير الشتوية الخلابة التي تنتج نسيج الباشمينا الدافئ المريح. يجب أن يُصنع الباشمينا من الكشمير الخالص %001 ليأخذ الجودة الممتازة ويحصل فقط على شهادة (المؤشر الجغرافي IG) إذا كانت مغزولة يدويًا ومنسوجة يدويًا باستخدام صوف الباشمينا النقي من لاداخ. ويقول طارق أحمد دار، وهو عارض أزياء سابق يدير علامته التجارية الفاخرة “باشمكار” التي تعتمد على نسيج الباشمينا: نصنع صوف الباشمينا من الماعز من منطقة شاند خاند في لاداك.” يتم الغزل اليدوي لهذا النسيج على يد نساء حرفيات من سريناجار (يستغرق الأمر أسبوعًا واحدًا لعمل خيط من 01 جم من الصوف)، وبمجرد نسجه في شكل وشاح يتم صبغه أو تطريزه (شال بطول 2 متر يستغرق 51 يومًا للتطريز). يوظف طاريق دار 052 حرفيًا (بما في ذلك 04 امرأة فقط لغزل الشال)، ويستخدم ألوانًا جديدة ومشرقة لصنع شالات الباشمينا للرجال كإكسسوار للأزياء، ويُسخر رحلاته الدولية وإلهامه لصنع قطع عصرية للرجال العصريين. واستغرق تصميم بعض القطع الخاصة بالنساء في خط “شاه بانو” الخاص به حوالي ثلاث سنوات للانتهاء من تطريزه، ويمكن أن ترتفع الأسعار من 005.21 روبية هندية وصولاً إلى 001 ألف روبية هندية. وتُعرف التصميم والنقش على نسيج الباشمينا مباشرة باسم تقنية “كاني”، حيث يتم من خلالها نسج القماش بعصي خشبية صغيرة بلا عيون، لصناعة نسيج الباشمينا الأغلى على الإطلاق، ويحصل على (المؤشر الجغرافي IG) الخاص به، ويتميز بزخارف موغال أنيقة (معظمها من الزهور)، وعند غزل هذا النسيج بالاستعانة بعدد كبير من العمالة (يمكن صنع 4-3 سم فقط في اليوم). ويقول طارق دار: “كان غزل نسيج الباشمينا هو الثورة الاقتصادية الأولى في كشمير، وخاصة بالنسبة للنساء” ، مضيفًا: “كانت جدتي تغزل الغزل على النول، وحتى اليوم لا يمكن الانتهاء من غزل الخيوط بدون النساء.”
ما ذكرناه أعلاه ليس سوى عدد قليل من تقاليد النسيج اليدوي التي تُمارس في الهند. ولكن هناك العديد من الأماكن الشهيرة بالتقاليد النسيجية في أجزاء مختلفة من البلاد. وتعمل الحكومة على دعم المصممين والناشطين في مجال المنسوجات لتعميم صناعة هذه الأقمشة مرة أخرى. ويعتبر الترويج “للعلامة التجارية الهندية للنول اليدوي”، والمشاركة الدبلوماسية الثقافية ودعم الأعمال الفنية المحلية من أهم الخطوات التي يتم اتخاذها لازدهار هذه الصناعة.
هناك مشاريع تنفذ المبادرات الحكومية مثل “صُنع في الهند” و “شجع المنتج المحلي” للترويج لاستخدام الأنوال اليدوية وتشجيع الحرف اليدوية؛ بالإضافة إلى خطة “مودرا” لدعم رائدات الأعمال، والبعثة الوطنية لسبل العيش الريفية، وحشد المنظمات النسائية غير الحكومية للمساهمة في تنمية هذه المبادرات. ولكن الأهم من ذلك، هو الدعم الذي يمكن أن يقدمه الناس لإحياء هذه الأقمشة من خلال شرائها وارتدائها.