من المطبخ الهندي

كٌل وأشرب واستمتع بالحياة

القضية 01, 2021

كٌل وأشرب واستمتع بالحياة

بقلم: شيلي سباولا |مؤلف

القضية 01, 2021


يجمع أسلوب المطبخ البارسي في الطهي بين التقاليد والثقافة، وقد تطور على مر السنين وتكيف مع الفروق المحلية الدقيقة

“كٌل وأشرب واستمتع بالحياة”…هذا هو الشعار والقول القديم المأثور الذي يتبعه أفراد المجتمع البارسي، وهو مجتمع من المجتمعات صاحبة الثقافات الثرية و التاريخ والتقاليد العريقة سواء من الناحية الاجتماعية أو حتى على مستوى فنون الطهي. لقد كان المجتمع البارسي يفخر دوماً بالعيش في انسجام، وكذلك استطاع العمل على الاندماج في بيئة الحياة المحلية السائدة.
وفقا لما ورد في الأساطير والتاريخ، فإنه عندما استوطن أفراد المجتمع البارسي مدينة سانجان في ولاية جوجرات بعد فرارهم من إيران، وقدموا أنفسهم إلى الملك، طلب كاهن بارسي وعاءاً من الحليب ممتلئاً علي آخره وبعض السكر. وقام الكاهن بخلط السكر باللبن دون أن يسقط قطرة واحدة، ثم وعد الملك أنه بالمثل، سوف يندمج أفراد المجتمع البارسي في المجتمع المحلي ويعملون على تحسين حياة السكان من حولهم. ومن المثير للاهتمام، أنهم استخدموا الطعام كوسيلة للتعبير عن وجهة نظرهم!

طبق بارسي آخر يحتوي علي البيض هو طبق بارسي أكوري أو البيض المخفوق الهندي الحار

ازدهر المجتمع البارسي وانتشر أفراده في جميع أنحاء الهند، في الوقت الذي يعتمد على فيه الانسجام والتكيف مع الثقافة المحلية، ولعل أبرز مثال على ذلك هو الطريقة التي يتطور بها مطبخ هذا المجتمع.  وعلى الرغم من أن أبناء هذا المجتمع ظلوا متمسكين بتقاليدهم خلال المهرجانات، فقد قاموا أيضاً بتكييف أنفسهم وفقاً للمجتمع المحلي وعاداته. ويعد عيد الربيع أوالاعتدال الربيعي أحد أهم المهرجانات البارسية و يُعرف أيضاً باسم نافروز. ويعتبر الاعتدال الربيعي، الذي يُحتفل به في 21 مارس، وفقاً للمجتمع الباررسي، هو فجر عام جديد.  ويتم تسجيل الوقت الفعلي لموسم الربيع، الذي يحدث في إيران أولاً، ثم يتم إرسال المعلومات الخاصة بذلك إلى جميع أنحاء العالم. يبدأ يوم الاحتفال بمهرجان الربيع بالحلويات مثل طبق رافو (حلوي السميد) أو سيف (حلوى الشعرية).  وعادة ما يكون طبق الغداء إما بولاو دار (طبق خاص بالمجتمع البارسي يتكون من لحم الضأن أو طبق برياني الدجاج ويٌقدم مع كاري العدس الحار) أو طبق دون دار ني باتيو (يتكون من أرز وشوربة العدس أوعدس وسمك الكاري حلو وحامض). وتعتبر الأسماك علامة على الحظ السعيد في ثقافة المجتمع البارسي، ويمكن للمرء أن يجد حلويات على شكل سمكة على المائدة التقليدية.

كعك ماڤا البارسي (كعك تقليدي حار قليلاً مصنوع من الحليب المكثف)

ومن التقاليد الجميلة، التي يمارسها المجتمع البارسي في الهند، أنه عند وضع طاولة الاحتفال بعيد الربيع (نافروز)في هذا التقليد يتم تغطية الطاولة بقطعة قماش بيضاء ويوضع عليها أطباق مختلفة لكل منها دلالة عميقة.  ومن بين هذه الأطباق سبعة أصناف طعام تبدأ بالحرف “س” طبق سيركا (خل) وسماق (توابل) وسامانو (حلوي القمح) وسيب (تفاح) وسير (ثوم) وسنجد (توتشجرة السرب) وسابزي (نوع عشب)، ذلك إلى جانب سبعة أصناف طعام تبدأ بحرف “ش” بالفارسية وهي: الشراب (النبيذ) والشكر (السكر) والشير (الحليب) ، والشيريني (اللحم الحلو) والشيربيرنج (حلوي الأرز) والشيرا (شراب التوابل) والشهد (العسل).ويتم الاحتفاظ كذلك بتقاليد البيض الملون (مثل بيض عيد الفصح الشهير) والفاكهة الطازجة والفواكه المجففة والخضروات والحبوب (وهي أمور تدل على الوفرة). وتدعو سيدة المنزل الضيوف خلال هذا الاحتفال للنظر في المرآة حتى يكون لديهم عام من الانعكاسات الجيدة، وتقدم لهم عملة معدنية من أجل الرخاء ورش ماء الورد عليهم قبل أن يجلسوا لتناول الطعام على الطاولة.

طاولة من الأطباق التقليدية للاحتفال بعيد الربيع (نافروز) ولكل من هذه الأطباق أهميته الخاصة- مرآة للدلالة على عام من الانعكاسات المقبلة وعملات معدنية للتعبير عن انتظار الإزدهار

يعد طبق دان ساك هو الطبق الأكثر شيوعاً بين أبناء المجتمع البارسي، حيث أصبح هذا الطبق الذي يتم تحضيره  من العدس والخضروات ولحم الضأن والتوابل، انعكاساٌ لثقافة المجتمع البارسي في جميع أنحاء العالم، ويتم تقديمه مع الأرز بالكراميل وسلطة كاتشومبار (سلطة البصل والطماطم).  وعلى الرغم من أن طبق دان سا كعنصر أساسي في معظم وجبات غداء المجتمع البارسي يوم الأحد، ولم يرتبط إعداده أبداً بالمناسبات السعيدة. وتشمل الوجبة التقليدية للاحتفال طبق ولاو أو الدجاج الحار يقدم مع أصابع البطاطس المقلية وطبق (سالي ما مارجي) جزر ومخلل فواكه مجففة (لاجان نو آششار) وساريا (خبز بابادم) وخبز تشاباتي (خبز مسطح) وكاسترد لاجان نو (كاسترد بارسي)  كنوع من الحلويات. ويمكن القول إن المطبخ البارسي من المطابخ المندمجة في الثقافة الهندية، حيث انتشرت وصفات هذا المطبخ العريق علي مر قرون طويلة من الزمان وتوارثتها الأجيال جيل بعد جيل في الأسر المختلفة، وتم إدخال اضافات عليها على مر السنين، ولكنها بقيت محافظة على أصولها. وقد بذل المجتمع البارسي قصارى جهده للحفاظ على جعلها فريدة ومنفردة، وتعليمها كما هي لأطفالهم وغرزها فيهم كجزء من التراث الثقافي لفن الطهي.ومن ثم، يمتلك هذا المطبخ تراث ثري من الأطباق التي تتسم باستخدام التوابل والنكهات المميزة، وهي مزيج مثالي للجمع بين الأصول القديمة والانسجام مع أفضليات الذوق العصري.

بقلم: شيلي سباولا

شيلي سباولا هي صاحبة مشروع "أسرار زارين"،وهو مشروع يهدف إلى دعم والحفاظ على تقاليد الطهي القديمة لمجتمع بارسي. وتقوم الكاتبة،التي تعيش في دلهي، بصنع وبيع التوابل، وخاصة توابل المطبخ البارسي، مما يجعل الطعام البارسي في متناول الجميع. ويتمثل هدفها في نشر المعرفة عن مجتمعها ومأكولاته وتقاليده.
error: Content is protected !!