من مجرد مراهقين إلى عباقرة أصحاب أفكار فذة
...
في الوقت الذي قفزت فيه الهند إلى العصر الرقمي ، فإن أحد أكبر التحديات التي لا تزال ماثلة هى تطوير الوسائل اللازمة لتحقيق التنمية الشاملة. حتى في ظل التقدم الكبير الذي تحقق، لا تزال البنية التحتية في البلاد تمتلك إمكانيات هائلة للمضي قدما في عالم التكنولوجيا. ومع ذلك، استطاع جيل الشباب خلال العقد الماضي أن يقدم مشاركة غير مسبوقة في الخطط القومية للتنمية. ظهر هذا التوجه الأخير من حقيقة أنه بحلول عام 2020 سيكون متوسط أعمار سكان الهند 29 عاماً لتكون بذلك أصغر دولة في العالم من حيث أعمار 64% من القوى العاملة بها، الأمر الذي يؤكد أن التقدم يعتمد بصورة كبيرة على إشراك هذه الكتلة السكانية الشابة في العمل والتنمية. ومن خلال المبادرات الحكومية التي توفر الدعم اللازم للشركات الابتكارية الناشئة و الخطط الحكومية مثل مبادرة شواش بهارات أو الهند النظيفة و مبادرة الهند الرقمية، نجد أن الفرصة قد سنحت لمشاركة الشباب في عملية تطوير البنية التحتية. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية وحدها، تم تطوير العديد من المشروعات المبتكرة في جميع أنحاء الهند والتي تهدف إلى التخلص من المعوقات المختلفة التي تعرقل عملية التقدم. في حين أن العديد من المشروعات كانت تنفيذ لأفكار واقعية، إلا أن الجدوى والتطبيق الواسع النطاق لتلك المشروعات لا تزال من بين الأسئلة التي تركت دون إجابة. ومع ذلك ، فإن الأفكار الابتكارية مكنت الطلاب في جميع أنحاء البلاد من تطوير حلول لبعض المشكلات الكبرى التي تشوه صورة الهند على الصعيد العالمي. فقد نجح أحد هذه المشروعات الذي خرج إلى النور من قاعات المعهد الهندي للتكنولوجيا في مدراس في جذب انتباه العديد من المنظمات غير الحكومية التي تعمل على القضاء على مشكلة الصرف الصحي والتطهير اليدوي للمصارف.

روبوتات متعددة المهام
بعد أربع سنوات من البحث، توصل المعهد الهندي للتكنولوجيا في مدراس أخيراً إلى بديل باستخدام التكنولوجيا يهدف إلى القيام بهذه المهمة الشاقة التي كانت تعرض حياة الناس للخطر. كان الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المكلفون بهذا المشروع يحاولون تجميع روبوت يتم التحكم فيه عن بُعد قادر على اختراق النفايات الصلبة ويضخ الحمأة في نفس الوقت لتطهير حتى أكثر أنظمة الصرف انسداداً. ويوضح البروفيسور برابهو راجاجوبال من مركز التقييم في المعهد الهندي للتكنولوجيا في مدراس قائلاً: “إن استخدام الروبوت في هذه البيئة يمثل تحديًا كبيراً”. فبعد ثلاثة مشروعات، تمكن فريق العمل من بصناعة نموذج أولي لمروحة مكونة من ست زعانف قام بتطويرها الطالب سريكانث وهو باحثة يدرس للحصول على درجة الماجستير. واحدة من التحديات الرئيسية في جميع مراحل تطوير النموذج الأولي كانت مدى جدواه على أرض الواقع. حتى اليوم، لا يوجد ندرة في الخيارات الميكانيكية لإزالة النفايات ومعالجتها ، ولكن بالتكاليف الحالية ، والتي تتراوح بين 2 إلى 5 ملايين روبية هندية، فإن التطبيق على مستوى الدولة يمثل مشكلة.
عملية التطوير
كخطوة أولى ، قام فريق العمل بتطوير قاطع كالسكين يمكنه تقطيع الحمأة، ويمكن بعد ذلك إزالتها باستخدام جهاز تفريغ الهواء. العمل في البداية كان على نموذج القاطع البسيط، ولكنهم طوروه الآن ليشبه المظلة. بالتشاور الوثيق مع منظمة سافاي كارامشاري أندولان وهي منظمة تعمل من أجل حقوق عمال النظافة الذين يقومون بعملهم بصورة يدوية في جميع أنحاء البلاد ، فإن هذا الفريق من الباحثين في المعهد الهندي للتكنولوجيا في مدراس أصبح على وشك تقديم منتج يمكن أن يمنع عمال النظافة من ممارسة هذا العمل الشاق المتمثل في أعمال تطهير مجاري الصرف الصحي بصورة يدوية. ويمكن القول إن هذا الروبوت المطور سيبوي سيبتك تانك، الذي يتراوح سعره ما بين 1 إلى 3 مليون روبية هندية ، يعد هو المفتاح السحري الذي يقدم حل ناجح وخالي من المخاطر لمشكلة التنظيف اليدوي لمجاري الصرف الصحي. ويستخدم النموذج الأولي- الذي تم تطويره على يد هؤلاء الطلاب النابغين- قاطعات عالية السرعة لاختراق الحمأة السميكة في خزانات الصرف الصحي ولتطهير بالوعات الصرف الصحي. لكن أعضاء هيئة التدريس المشرفين على المشروعات يأملون أنه -مع بعض التعديلات الإضافية- يمكن تخفيض تكلفة المشروع بشكل كبير لتعزيز عملية التطبيق على نطاق واسع. ويقول الطالب ديفانشو كومار ، الذي لعب دوراً رئيسياً في تطوير الروبوت سيبوي سيبتك تانك، ، إن التحدي المتمثل في الكسح اليدوي للصرف الصحي يحمل أبعاداً اجتماعية وفنية على حد سواء. ويضيف كومار قائلاً:” إننا نحاول من جانبنا العمل على تطوير حل تكنولوجي يمكنه التغلب على المعوق الاجتماعي من خلال ضمان تشغيل الروبوت سيبوي من جانب نفس الأشخاص الذين كانوا يقومون بتلك المهمة يدوياً.”

كنز من المهارات
تبزغ الهند حاليا كقوة لها مكانة متميزة عندما يتعلق الأمر بالحلول المبتكرة باستخدام التكنولوجيا لبعض أصعب المشكلات المتعلقة بالبنية التحتية والتنمية واسعة النطاق. ويعود الفضل في هذا الأمر إلى النظام القوي للتعليم العالي في البلاد وروح شباب بالعمل على إيجاد حلول بسيطة ومبتكرة لأكبر العقبات التي تقف حائلا على طريق التنمية. وتركز المؤسسات الهندية، ولاسيما المعهد الهندي للتكنولوجيا في مدراس،على العالم الواقعي والتطبيقات العملية لمختلف النظريات في التخصصات المختلفة. وتشجع مثل هذه المهام التكنولوجيا على “عصف الذهن” لإخراج أفضل الأفكار، وهناك شعور حر بالتفاعل والنقاش بين الطلاب والأساتذة حول جدوى هذه المشروعات. علاوة على ذلك، فإنه مع تحول الهند إلى مركز للتصنيع وعمليات الشركات متعددة الجنسيات، شهدت هجرة الطلاب انخفاضاً كبيراً خلال العقد الماضي ليتوقف نزيف العقول. بداية من الآلات التي تقوم بتوزيع مياه الشرب النظيفة و تكنولوجيا إعادة تدوير النفايات وتكنولوجيا سمارت كان للأفراد المعاقين بصرياً وصولا إلى مخازن التبريد التي تعمل بالطاقة الشمسية ، يتولى المبتكرون الشباب الذين يتخرجون من مؤسسات مختلفة مهمة جعل الهند في أفضل صورة. لقد تحول شباب الهند من فترة المراهقة إلى مبتكرين بارعين، ومن ثم فإنهم يمثلون الكنز الأكبر الذي تعول عليهم الهند في مستقبلها.