من المطبخ الهندي

تغيير المذاق

القضية 02, 2019

تغيير المذاق

مادوليكا داش |مؤلف

القضية 02, 2019


بدأت المطاعم في العاصمة الهندية تتماشي مع الخبرات الجديدة في عالم إعداد وتقديم المأكولات بداية من المطاعم التي بدأت لا تعتمد على الغاز في عملية الطهي، وصولا إلى تجهيز وتقديم المأكولات في حدائق ومزارع خاصة داخل الفنادق

لقد كانت فترة الخمس سنوات الماضية بمثابة نقطة تحول في المشهد العام للمأكولات الهندية، وخاصة على مستوى ما تقدمه المطاعم في الهند من أصناف الطعام. وبفضل الزيادة المفاجئة في الهند في عدد المطاعم التي تعتمد على مفاهيم جديدة في عالم الطهي، شهد المطبخ الهندي توافد تيارات من مختلف المطابخ العالمية بداية من المطابخ العصرية الحديثة وصولاً إلى المطاعم التي تقدم الوجبات داخل حدائق أو مزارع ملحقة بالفنادق. ولم يقتصر هذا التنوع والاتجاهات الجديدة على قطاع الأغذية فقط، ولكنه امتد ليشمل الحلوى والمشروبات. ومن ثم، لم يكتف الطهاة فقط بالتكييف مع التوجهات العالمية المتغيرة في عالم المأكولات، ولكنهم بدأوا يتفننون في جعلها قريبة للأطباق الهندية. ومن الأمثلة التي تجسد هذا التوجه مطعم إنديان أكسينت في نيودلهي وهو مطعم حائز على العديد من الجوائز، حيث بدأ ذلك المطعم ما يشبه بثورة في طريقة إعداد المأكولات. وقد ألهمت هذه الطريقة العديد من الطهاة والمطاعم للسير على نفس المنهج. ومن المطاعم العصرية الأخرى التي بدأت تطبيق نفس الطريقة مطعم بلاك في فندق بولمان بنيودلهي، وهو المشروع الحلم بالنسبة لمدير المطبخ في الفندق وهو الشيف أجاي أناند، الذي قام بإنشاء أول مزرعة داخل فندق على مستوى الهند لتقديم المأكولات في جو خاص للزبائن. وأصبح مطعم بلاك بما يقدمه من مأكولات هندية على الطريقة الفرنسية مثالاً على أسلوب المزج بين التيارات الثقافية المختلفة في الأطباق وطريقة الطهي البسيطة. ويرى الشيف أناند أن هذا التوليفة الناجحة في عالم الطهي تمثل بداية جديدة لنهج جديد لا يعترف بالحدود و يستلهم طريقته وأطباقه من كل مكان في البلاد. ونجد أن مطعم بلاك، الذي يعمل مع سلسلة من منتجي الأغذية المحليين وغيرهم من المزارعين، يحرص على إبقاء قائمة مأكولاته مفتوحة. ويقول الشيف أناند: ” لقد نجحت هذه الطريقة بصورة كبيرة، ولاسيما وأن قائمة مأكولاتنا تتغير كل موسم، وتضم أشكالا عصرية لأطباق مستوحاة من كافة الولايات الهندية.”

سلطة أمارناث الشهية المكونة من الخضروات و الجوز

وتعد هذه الطريقة بمثابة تغيير جذري في توجه المطاعم، التي نجد أن معظمها يعتمد على الأساليب التقليدية المعروفة والمٌجربة لتحقيق النجاح في استثماراتها في مجال الأطعمة والمأكولات وعدم المجازفة باختبار ما هو جديد. ولكن لم يكن هذا هو السبب الوحيد ليطلق البعض على مطعم بلاك بأنه مطعم رائد باعتباره من أول المطاعم التي جازفت باختبار هذا التوجه الجديد، ولكنه استطاع بنجاح في الدمج بين مفهومين مختلفين كانا مشهورين خلال التسعينيات: تقديم عينات قليلة من كل طبق لعرض مختلف المأكولات التي يعدها الشيف، و اتباع الأساليب الدقيقة والصعبة في بعض الأحيان في إعداد الأطباق و ترتيب قائمة الطعام بشكل متوازي. وفي الوقت الذي قاد فيه مطعما بلاك و إنديان اكسنت صعود المطبخ الهندي الحديث، نجد على الجانب الآخر أن بعض الطهاة ، مثل سابياشي جوري، عملوا على إحياء اتجاه آخر أقل شهرة من خلال مطعم لافاش باي سابي في نيودلهي حيث ركز إلى حد كبير على أطباق من المطبخ الأرمني الأقل شهرة. وقد أصبح هذا المطعم اليوم بمثابة الوجهة المُثلي لاستكشاف ثقافة ومأكولات أرمينيا. وقد استلهمت هذه التجربة على مر السنين بعض المطاعم الأخرى،التي قدمت مأكولات تقوم على ثقافة معينة مثل مطعم ماينوريتي باي سابي، الذي يقدم الأطباق المفضلة لدى العاملين في مجال التعدين ومطعم بار بوب،الذي يقدم المأكولات التقليدية من ولاية كارناتاكا. ولكن يجب أن نشير إلى حقيقة هامة ألا وهي، أن هذه لم تكن المرة الأولى، التي يتم فيها إنشاء مطاعم تستوحي أطباقها من ثقافات ومجتمعات مختلفة، فنجد أن مطعم خور بيتزاري في نيودلهي يقدم للزبائن على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود الأطباق الكشميرية الشهية. وهناك مطاعم مثل: مطعم بوتبيلي الذي يشتهر بتقديم مأكولات من مطبخ بيهار في دلهي، ومطعم ميكاري الذي يقدم مأكولات نباتية. ومن ثم، نجد أن هذه المطاعم جعلت المأكولات التراثية ذات صلة بالواقع الحالي من خلال دمجها بصورة مثالية مع الأطباق الحديثة. وأدت هذه المطاعم أيضا إلى ظهور حركة طهي أخرى تهتم بصورة كبيرة بتناول الأطباق المحلية، حيث يستخدم الطهاة المنتجات المتوافر محلياً في إعداد أطباق شهية. ومن الأمثلة على ذلك قائمة المأكولات الحالية في مطعم مومباي كانتين في مومباي، حيث يستخدم الشيف توماس زخارياس مكونات مثل: بونك (وجبات جوجاراتية خفيفة) و سمك بومبيل لإعداد أطباق لذيذة.

الشيف سابياساشي جوراي يقوم بتحمير جاك فروت مع الزبادي

مع تزايد شعبية المكونات المحلية والأطعمة التقليدية، كان الطريق مفتوحاً لمفاهيم جديدة تمزج التقليدي بالمعاصر والتي ظهرت بصورة جلية ليس فقط في المطبخ ولكن كذلك في أساسيات وأساليب الطهي، ومن الأمثلة على ذلك مطعم رويال فيجا في تشيناي،الذي يعتمد في مأكولاته على الأطعمة الموسمية وتعاليم الأيورفيدا للأكل الصحي؛ ومطعم توسكير في مومباي الذي أحيا المأكولات الصحية الهندية التقليدية مثل قائمة أطباق ثالي. ومضى مطعم أرثا في مومباي، وهو مطعم حائز على عدة جوائز، بهذا المفهوم خطوة للأمام من خلال عدم الاستعانة بالغاز في المطبخ، وأصبح أول مطعم من نوعه يشتهر في الهند من خلال تحضيره لقائمة طعام يتم طهي أطباقها بالطريقة التقليدية. ولاقت هذه التوجهات المتنامية في عالم الطهي استجابة كبيرة من سكان المناطق الحضرية في المدن الكبرى في جميع أنحاء الهند. ومع انضمام المزيد من الطهاة والمطاعم إلى هذا التوجه السائد، يمكن أن نتوقع أن يصبح الطعام الهندي أكثر إغراءً لمحبي وعشاق الأكل خلال الأيام القادمة.

مادوليكا داش

مادوليكا داش كاتبة للأغذية والضيافة وكاتب مقالات في مجال الطعام. وقد ساهمت في العديد من المنشورات بما في ذلك Yahoo و Sify و Swarajya و Hotelier India و Way2Hotel و Indian Express و Forbes Life.
error: Content is protected !!